امواج النفس 2 (ساعة النصيب)

ساعة النصيب
ساعة النصيب.

في وسط سكون الليل وأصوات القرية التي تأتي من بعيد من وقت لأخر متسللة من خلال جدران البيت المبني من الطين والقش، تنظر الأم  الى بنتها الوحيدة التي كانت تجلس ناظرة الى السماء وكأنها تنتظر ما لا يأتي أطالت الأم النظر الى إبنتها الوحيدة وهي ما زالت على هيئتها تتأمل السماء ثم قالت لها: مالك يا ملك بتفكري في ايه يا بنتي.

لم تكن البنت تعلم أن أمها تراقبها وهي تنسج خيوط أحلامها خيط مع خيط حتى وصلت به إلى السماء فعقدت من النجوم عقداً جميلا لم تكن الام تعرف أن أبنتها تحمل أحلامها وأمالها التي لا تراها الا في السماء... ربما لأن والدها المزارع المأجور الذي يعمل باليومية لم يكن هو الأب المثالي بالنسبة لملك لتحقيق هذه الاحلام ولم تكن امها تمثل لها الطريق نحو مستقبل أفضل فكانت لا ترى أحلامها إلا في ضوء القمر بين النجوم فالأرض ليست مكان لأحلام كتب عليها ان تبقى مجرد أوهام في رأس فتاة تملك الخيال وتصطدم بالواقع.

لم تكن ملك فتاة جميلة كانت نحيفة تملك ملامح شابهت البيئة التي نشأت فيها فالوجه أسمر سمرة الطين الذي أختلط ببقايا الزرع  الاخضر حيث أختلط في وجهها النضرة مع الشحوب في ذات الوقت والجسم مشدود كما عود الحطب والعين نافذة يمكن ان تعبر بك الى عالم اخر ربما لا يمكنك العودة منه اذا ما استسلمت لنظراتها، لم تكن الثماني عشر عاما الذي أمضتهم ملك في الفلاحة ومساعدة والديها سببا كافيا لأن تنسى أحلامها فما زالت حين تنظر في السماء وتصعد فوق خيوطها المنسوجة من احلامها حتى تقف فوق درج  رخامي أسود له بريق يشبه بريق عينيها حيث ترتدي العقد الذي اشتراه لها والدها فهي للتو قد حققت حلم أمها حيث حصلت على أعلى الدرجات في الثانوية والتحقت بالجامعة بكلية السياسة والاقتصاد في نفس الوقت كانت أمها ترتب لحفلة كبيرة احتفالا بهذا النجاح وفي الحفلة اخذت وعدا من عمها الذي يعمل بالسلك الدبلوماسي بان مكانها محجوز بالسلك الدبلوماسي ومكتبها في انتظارها،  سمعت والدة ملك هذا الحديث فقالت لعمها لا والف لا أنا لا يمكن ابدا ان اوافق على ان تبعد أبنتي عني وتسافر ملك لازم تكون في حضني وتحت عيني انا لا أستطيع استغنى عنها فضحك والدها وقال ملك بنتنا ان شاء الله تنتهي من دراستها وتتجوز على الفورلا شغل ولا كلام فارغ فنحن لسنا بحاجة لعملها وعريسها جاهز وذو منصب وجاه وانا نفسي افرح بأحفادي واتمتع بهم.

 

 وهنا شعرت ملك ان ساعة الصفر قد حانت أحست باختناق شديد وبدأت حرارة جسدها ترتفع نظرت من حولها فوجدت أمها تحاول الفرار من النيران التي اشتعلت من وابور الجاز الذي دائما ما كانت أمها تطالب أبيها بإصلاحه او تغييره امتدت النار في ارجاء المنزل حاولت ملك ان تسعف والدتها التي اصابها الاختناق حاولت ان تصرخ وتستغيث بوالدها الذي قفز من شباك البيت ليستغيث بالمارة على الطريف فانكسر ظهره ولم يستطيع الحركة اخذت ملك تهرول بين الشباك تلقي النظر على والدها وبين أمها التي تراها تغادر حياتها ممسكة بشال من الصوف كانت تغزله لها وهي تشير الى ملك طالبة منها ان تقترب لتخبرها بشيء اقتربت منها ملك والدخان قد سكن كل ارجاء البيت حيث لم تكن ملك تراها بوضوح ولكن كانت تسمعها جيدا.

 

همست الام في اذنها وقالت يا حبيبتي (بقلك مالك من بدري وبكلمك وانت ساعة ما بتبصي في السماء لا بتشوفي ولابتسمعي أي حد)) يا حبيبتي ساعة النصيب القدر بيصيب لا تحملي للدنيا هم وسيبك بقه من قعدة الشباك دي والنظر في السما طول الليل ووضعت الشال على كتفها واخبرتها بأن لا تشعل البخور بكثرة فقد امتلئ المكان بالدخان ووالدك لا يحب الدخان الكثير لأنه مريض بصدره.

نظرت ملك في عين امها ثم قبلت رأسها وقدمها ويديها عندما أدركت أن أمها ما زالت على قيد الحياه وأن أحلامها التي تحولت لكابوس اشتعلت فيه النيران فحولت كل احلامها الى دخان يشبه كثيراً ذلك الدخان المتصاعد من مبخرة أمها فرائحته الجميلة لا تدوم الا قليلاً ولكن سرعان ما تعود رائحة الزيت المحروق والجاز في الوابور من جديد فملك لم تتعلم كيف تنسج الاحلام فحاضرها وواقعها يقتل احلامها قبل ان تولد.

 قالت ملك وهي تقفز كالهاربة من شيء يطاردها ربما تكون هذه الاحلام التي كادت ان تخنقها ، حاضر يا أمي انا هجهزالاكل لأبويا زمانه قرب يوصل وتلاقيه تعبان واخذت الشال في حضنها وتركت أحلامها التي حاولت ان تنسجها على تلك السلالم الرخامية السوداء حيث اكتشفت ان الاحلام اوهام عندما يعبث بها واقع اقوى من الأحلام  فربما تكون الاحلام حكرا على من لهم الحق فيها.

 أما ملك فجلست فعادت إلى شباك حجرتها تنظر في السماء منتظرة ساعة النصيب.



تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

قصة عشق

احلام الصابرين

ارض الاحلام